تسويق المشاعر في الضيافة

تسويق المشاعر في الضيافة: كيف تبيع الفنادق التجارب لا الغرف

في عالم الضيافة الحديث، لم تعد الغرفة هي ما يشتريه النزيل حقًا. أصبح تسويق المشاعر في الضيافة هو جوهر العمل الفندقي المعاصر، حيث تسعى الفنادق إلى بيع التجارب والمشاعر بدلًا من المساحات والخدمات.
فالضيوف لا يبحثون فقط عن مكان للإقامة، بل عن إحساس بالراحة، الانتماء، الرفاهية، أو حتى الإلهام. هنا يبدأ الفرق بين فندق يقدم خدمة، وفندق يخلق تجربة لا تُنسى.

ما هو تسويق المشاعر في الضيافة؟

يشير تسويق المشاعر في الضيافة إلى مجموعة من الاستراتيجيات التي تهدف إلى بناء رابط عاطفي بين النزيل والعلامة الفندقية. هذا المفهوم مستمد من الاقتصاد التجريبي الذي طرحه Pine وGilmore عام 1998، والذي يرى أن القيمة الحقيقية اليوم تُخلق عبر التجربة، لا المنتج.

كما وضع Bernd Schmitt (1999) نموذج التسويق التجريبي الذي يعتمد على خمسة أبعاد:

  1. الحواس (Sense) – ما يراه ويسمعه ويشمه الضيف.

  2. المشاعر (Feel) – ما يشعر به أثناء التجربة.

  3. العقل (Think) – كيف يفكر ويتفاعل مع العلامة.

  4. السلوك (Act) – ما يدفعه للتصرف أو التفاعل.

  5. العلاقات (Relate) – الروابط التي تنشأ بينه وبين الآخرين من خلال الفندق.

كيف تطبّق الفنادق تسويق المشاعر في الضيافة؟

1. تصميم البيئة الحسية (Servicescape)

البيئة المحيطة هي أول ما يخلق الانطباع.
من تصميم الردهة والإضاءة إلى الروائح والموسيقى، كل تفصيل يُسهم في بناء المشاعر.
تشير دراسة Bitner (1992) إلى أن تصميم البيئة المادية يؤثر بشكل مباشر على تجربة النزيل ورضاه العاطفي، ما يجعلها أداة رئيسية في تسويق المشاعر في الضيافة.

2. بناء التجارب المصغّرة (Micro-experiences)

التجربة الفندقية ليست لحظة واحدة، بل سلسلة من اللحظات الصغيرة:

  • تسجيل الدخول

  • وجبة الإفطار

  • التواصل مع الموظفين

  • لحظة المغادرة

كل لحظة يمكن أن تترك أثرًا عاطفيًا عميقًا.
دراسات حديثة (Ali et al., 2016) أثبتت أن المشاعر الإيجابية الناتجة عن هذه التجارب الصغيرة تزيد من الولاء والعودة المتكررة.

3. تسويق المشاعر في الاتصالات البصرية والرقمية

الإعلانات الفندقية لم تعد تقتصر على عرض صور الغرف والمسابح.
العلامات الحديثة تعتمد على سرد القصص العاطفية (Emotional Storytelling):
لقطة لعائلة تضحك على شرفة، أو موظف يقدّم قهوة بابتسامة دافئة.
هذه الصور تعزز مفهوم تسويق المشاعر في الضيافة لأنها تخلق تجربة متوقعة يترقبها الضيف قبل الوصول.

4. تدريب الموظفين كصانعي مشاعر

العاملون في الفنادق ليسوا مجرد منفّذي خدمات، بل مهندسو تجارب عاطفية.
عندما يشعر النزيل بالاهتمام الشخصي والتعاطف، تتولّد مشاعر الانتماء.
دراسة Barsky & Nash (2002) أكدت أن المشاعر الإيجابية تجاه الموظفين تؤثر بشكل أكبر على ولاء النزلاء من جودة المرافق نفسها.

القيمة الاقتصادية لتسويق المشاعر في الضيافة

الأبحاث تشير إلى أن الاستثمار في التجارب العاطفية ليس رفاهية بل استراتيجية ربحية:

  • المشاعر الإيجابية تعزز نية العودة حتى لو ارتفعت الأسعار (Barsky & Nash, 2002).

  • الضيوف الذين يشعرون بالارتباط العاطفي يشاركون تجاربهم على الإنترنت، مما يرفع من التسويق الشفهي الإلكتروني (eWOM) (Serra-Cantallops et al., 2018).

  • التجربة العاطفية تخلق ولاءً طويل المدى يصعب على المنافسين تقليده.

نموذج عملي لتطبيق تسويق المشاعر في الضيافة

  1. قبل الوصول: استخدم الحملات الرقمية لرواية قصة الفندق وصناعة توقع عاطفي.

  2. لحظة الوصول: فعّل الترحيب الحار والمفاجآت الصغيرة التي تبقى في الذاكرة.

  3. أثناء الإقامة: قدّم تجارب شخصية مصمّمة حسب تفضيلات النزيل.

  4. بعد المغادرة: تواصل مع النزيل برسائل شكر ودعوات مخصصة تعزّز العلاقة.

كيف تقيس نجاح تسويق المشاعر في الضيافة؟

لقياس فعالية المشاعر، يمكن للفنادق استخدام مؤشرات كمية ونوعية:

  • استبيانات المشاعر (قياس السعادة، الراحة، الانبهار).

  • مؤشرات الولاء (معدل العودة، الإحالات، المراجعات الإيجابية).

  • تحليل المحتوى الرقمي (تحليل المشاعر في التقييمات عبر الإنترنت).

توصي الدراسات الحديثة بجعل المشاعر متغيرًا وسيطًا في تحليل أداء التجربة الفندقية (Ali et al., 2016).

التحديات في تطبيق تسويق المشاعر

  1. المصداقية: الوعود العاطفية المبالغ فيها تضر بالثقة.

  2. الاتساق: الحفاظ على تجربة متشابهة في جميع الفروع.

  3. الخصوصية: جمع بيانات شخصية لتخصيص التجربة يتطلب شفافية تامة.

إن تسويق المشاعر في الضيافة لم يعد خيارًا تكميليًا، بل ضرورة تنافسية.
الفنادق التي تفهم أن “الضيف لا يشتري غرفة، بل شعورًا” هي القادرة على بناء علاقات طويلة الأمد، وزيادة الإيرادات، وتحويل العملاء إلى مروّجين عاطفيين للعلامة.

إن كنت مهتم بمجال الفنادق يمكنك قراءة أيضاً:

أنواع ملكية الفنادق: كيف تختار النموذج الأمثل لاستثمارك الفندقي؟

علم النفس في الضيافة: كيف تخلق الفنادق تجارب لا تُنسى وتجذب ولاء الضيوف؟

العاطفة في تسويق الفنادق: كيف تصنع لحظة الانبهار التي لا تُنسى؟

المراجع العلمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *